اعشق من كثيّر واحزن من الحزن
( اهداء الى سيد الاحزان و الاميرة )
دخل كثيِّر عزة على عبد الملك بن مروان، فجعل ينشده شعره في عزة، وعيناه تذرفان،
فقال له عبد الملك:قاتلك الله يا كثير! هل رأيت أحداً أعشق منك؟ قال:نعم يا أمير
المؤمنين، خرجت مرةً أسير في البادية على بعير لي، فبينا أنا أسير إذ رفع إلي شخص،
فأممته، فإذا رجل قد نصب شركاً للظباء، وقعد بعيداً منه، فسلمت عليه، فرد السلام،
فقلت:ما أجلسك ها هنا؟ قال:نصبت شركاً للظباء، فأنا أرصدها.قلت:إن قمت له
لديك فصدت أتطعمني؟ قال:إي والله.
فنزلت فعقلت ناقتي، وجلست أحدثه فإذا هو أحسن خلق الله حديثاً، وأرقه
وأغزله.فما لبثنا أن وقعت ظبية في الشرك، فوثب ووثبت معه فخلصها من الحبال،
ثم نظر في وجهها ملياً، ثم أطلقها،وأنشأ يقول:
أيا شبهَ لَيلى لن تـُراعَي ، فإننّي لكِ اليومَ من بين الوُحوش صَديقُ
ويَا شبهَ ليلى لنْ تزالي بروضةٍ عــَليـكِ سـَحـَابٌ دائـِمُ وبـُرُوقُ
فـَمـا أنا إذ شـبـَهتـُها ثمّ لم تَؤبْ سـَليمـاً عَليها ، في الحَياةِ، شَفِيقُ
فـديتـُكِ من أسرٍ دَهـَاكِ لحُبّها فـأنتِ لـِليلى مَا حَـيـيـتِ طـليـقُ
~~~~~~
ثم أصلح شركه، وعدونا إلى موضعنا، فقلت:والله لا أبرح حتى أعرف أمر هذا الرجل،
فأقمنا باقي يومنا فلم يقع شيء،فلما أمسينا قام إلى غار قريب من الموضع الذي كنا فيه
وقمت معه فبتنا به، فلما أصبح غدا فنصب شركه، فلم يلبث أن وقعت ظبية شبيهة
بأختها بالأمس،فوثب إليها ووثبت معه،فاستخرجها من الشرك ونظر في وجهها ملياً ثم
أطلقها، فمرت، وأنشأ يقول:
اذهـَبي في كلاءَةِ الرّحـمـنِ، أنتِ مِني في ذمـّةٍ وَأمَان ِ
ترهبيني؟ وَالجِيدُ مِنك كليلى، وَالحـَشا والبـُغـُامُ والعـَينـان ِ
لا تـَخافي بأنْ تـُفاجيْ بسـُوءٍ ما تَغَنّى الحَمامُ في الأغصَانِ
~~~~~~
ثم عدنا إلى موضعنا فلم يقع يومنا ذلك شيء، فلما أمسينا صرنا إلى الغار، فبتنا فيه،
فلما أصبحنا عدل إلى شركه، وغدوت معه، فنصبه، وقعدنا نتحدث وقد شغلني، يا أمير
المؤمنين، حسن حديثه عما أنا فيه من الجوع، فبتنا نتحدث إذ وقعت في الشرك ظبية،
فوثب إليها ووثبت معه، فاستخرجها من الشرك، ثم نظر في وجهها وأراد أن يطلقها
فقبضت على يده وقلت: ماذا تريد أن تعمل؟ أقمت ثلاثاً كلما صدت شيئاً أطلقته.
فنظر في وجهي وعيناه تذرفان وأنشأ يقول:
أتـَلحَى محبّاً هائِمٌ القلبِ أن رَأى __ شَبيهاً لمَن يهوَاهُ في الحَبلِ مُوثقـَا
فـَلـَمـّا دنـَا مـِنـهُ تـَذ كـّرَ شـَجوَهُ __ و ذ كـّرهُ مـَن قـد نـأى فـَتـَشـَوقـَا
~~~~~~
وبيت آخر ذهب علي ، فرحمته والله، يا أمير المؤمنين، فبكيت لبكائه
فسالت عن نسبه واذ هو قيس المجنون ،
فذاك والله أعشق مني يا أمير المؤمنين . . .
===========
ساو
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الفرح ليس مهنتي ؟